النقد الثقافي

 

 

النقد الفني




النقد الثقافي

مقدمة :


يعود ظهور أولى ممارسات النقد الثقافي في أوروبا إلى القرن الثامن عشر. لكن تلك المحاولات المبكرة لم تكتسب سمات مميزة ومحددة في المستويين المعرفي والمنهجي إلا مع بداية التسعينات من القرن العشرين، وذلك حين دعا الباحث الأمريكي( فنسنت ليتش) إلى "نقد ثقافي ما بعد بنيوي" تكون مهمته الأساسية تمكين النقد المعاصر من الخروج من نفق الشكلانية التي حصرت الممارسات النقدية داخل إطار الأدب، كما تفهمه المؤسسات الأكاديمية  وبالتالي تمكين النقاد من تناول مختلف أوجه الثقافة ولاسيما تلك التي يهملها النقد الأدبي


إلا أن البداية الحقيقة للدراسات الثقافية " ابتدأت منذ عام 1964  عندما تاسس مركز برمنغهام للدراسات المعاصرة الذي حدد    بوضوح  المصادرالنظرية  للنقد ، محددا إياها بثلاثة مصادر:

1-     تاريخية وفلسفية ,2-  سوسيولوجية  , 3-  أدبية نقدية

 

 كما تركز على العوامل الاقتصادية والمادية ، خاصة الاتجاه المسمى بالمادية الثقافية ، ومفهوم (رأس المال الثقافي) الذي طرحه بورديو ، حيث جرى تأويل كل فعل حسب شروط الإنتاج.[1]

اي ان النقد الثقافي ينظر الى النص نظرة واسعة وشمولية في ضوء الثقافة التي انتجته اي الكشف عن الانساق الفكرية للعمل الابداعي بعيدا عن بنيته اللغوية والجمالية .

وهو اكثر شمولية لانه لا يدرس العمل الادي فقط ل يدرس نتاج الحضارة من اغاني وافلام ورامج اي انه يدرس النسق الحضاري بكل تطوراته لان اي عمل اداعي اذا تمت دراسته وفق بنيته او حتى جنسه الادبي فان المعنى فيه سينغلق ضمن دائرة ذاتية صغيرة اما دراسته ثقافيا فيعني ان المعنى سيكون مفتوحا لانه منفتح على كل تجليات الثقافة من خلال علاقة تبادلية معها .

ان الباحثين يحاولون الفصل بين النقد الادبي والنقد الثقافي لانهم يرون ان النقد الادبي يدرس الاعمال الادية النخوية ان صح التعبير اما النقد الثقافي فيدرس الثقافة الشعبية كاحكايات والجماهيرية السمعية والمرئية.[2]

 لكن الحقيقة ان النقد الثقافي قادر على استيعاب كل اشكال الثقافة الادبية والشعبية لان يقوم بقراءة الثقافة ومحاولة اكتشاف الانساق المضمرة فيها التي تؤثر على القارئ وجدانيا في تلقي النص ,  فكل نص ادبي من حيث هو نص إبداعي ذاتي  ذو بنية فنية محددة - لكن بنيته الثقافية معقدة .

ان النقد الثقافي يربط الادب بالعلوم والفنون الاخرى بطريقة منهجية دقيقة تختلف عن النقد السياقي لان النقد السياقي يبحث في السياقات التاريخية والنفسية والاجتماعية من خلال انعكاسها في بنية العمل الابداعي متخذا اياها مرجعيات للنص , ويربطه بعلاقة تناصية مع نصوص نفس المبدع ,اما النقد الثقافي فيدرس علاقة النص بكل اشكال الثقافة فلا يصبح النص وثيقة تاريخية او اجتماعية او جمالية ل يتخطى ذلك فيصح جزءا من الظاهرة الثقافية والحضارية مع عدم اهمال بنية  النص وتفسيره وتاويله .

كما انه يدرس الهيمنة الثقافية والرموز الثقافية المنتشرة في الحضارة ,فهو منفتح على جميع المناهج النقدية وكل الاعمال الثقافية بكل اشكالها , وقد تطور النقد الثقافي بتطور الدراسات السيميائية  فأي علامة لها دلالة ذاتية تحمل بصورة مستقلة ودلالات متحولة حسب الانساق الثقافية التي تربطها بعلامات اخرى مما يعطيها شحنا دلاليا مختلفا عن دلالتها الاصلية وهذا ينطبق على اي نص فهو يحمل معاني متعددة لكن هذه المعاني تنغلق اذا ما درسناها وفق بنية النص فقط ,اما اذا درست وفق النسق الثقافي وعلاقتها مع العلوم الاخرى  ستنفتح  الى معاني جديدة اكثر عمقا وتنوعا .

 

وتعتبر التاريخانية الجديدة نموذج من نماذج النقد الثقافي وقد ظهرت  كاتجاه نقدي جديد في الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الذي شهدت فيه النظرية النقدية تحولا ومحاولة الخروج عما كان يجري آنذاك من محاولات جادة لتحجيم دور التاريخ في العمليات الثقافية التي ينتجها الإنسان في سياقات لا يمكن تجاهلها مطلقا(ومن حيث المصطلح فان التاريخانية الجديدة تقترب في تسميتها من اتجاه نقدي سابق كان يمارس على نطاق واسع حتى بدايات القرن العشرين وضمر بمجيء المنهج الشكلي الروسي وهو (النقد التاريخي)،إلا ان هناك اختلاف بين الاتجاهات يتمثل في امر جوهري هو ان النقد التاريخي يسعى إلى قراءة التاريخ وإعادة بنائه داخل النص الأدبي، مما يعني ان التاريخ شيء والأدب شيء آخر، ومهمة الناقد ضمن هذا الاتجاه هو ان يكشف عن مفردات تاريخ العصر الذي كتب فيه النص،أما التاريخانية الجديدة فترى ان التاريخ والنص ليسا كيانين منفصلين، بل كيان واحد. ومعنى هذا  ان النص الأدبي   إفراز من إفرازات تاريخ عصره ،سواء أكان ذلك التاريخ ثقافي أم سياسي أم اقتصادي   وتعد التاريخانية الجديدة إحدى المنجزات النقدية لمرحلة ما بعد البنيوية، وفيها يجتمع العديد من العناصر التي هيمنت على اتجاهات نقدية أخرى كالماركسية والتقويض،إضافة إلى ما توصلت إليه الانثروبولوجيا الثقافية فهذه العناصر التي تجتمع لدعم التاريخانية الجديدة في سعيها إلى قراءة النص الأدبي في إطاره التاريخي والثقافي حيث تؤثر الايدولوجيا وصراع القوى الاجتماعية في تكون النص،وحيث تتغير الدلالات وتتضارب بحسب المتغيرات التاريخية والثقافية.[3]

 

 

 

النقد الثقافي العربي :

 

هناك من يرى انه مجرد محاولة لتقليد النموذج الغربي وليس تجربة متاصلة تكتسب هويتها من الثقافة والحضارة العربية لكن تعتبر محاولات طه حسين النقدية وعباس العقاد وادونيس محاولة جادة لتاصيل النقد الثقافي العري اافة لما قام به الباحثون المعاصرون مثل عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري الا ان اوسع دراسات في النقد الثقافي العربي قام بها عبد الله الغذامي في كتاة النقد الثقافي العربي ,قراءة في الانساق الثقافية العربية كشفت عن مشكلات عميقة في الثقافة العربية من خلال استخدام ادوات النقد الثقافي .[4]

 

ويحدد الغذامي مشاكل الانساق الثقافية العربية  ب3 مستويات :

1-    تحول المديح الى نفاق واستجداء

2-    محدودية الثقافة بالادب وخاصة الشعر

3-    غياب المقارنة داخل الثقافة العربية وحصرها بالمقارنة مع الثقافة الغربية .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



[1] ينظر علي عبد الامير ,بحث منشور على موقع جامعة بابل على شبكة الانترنيت وعلى الرابط http://www.uobabylon.edu.iq/uobColeges/lecture.aspx?fid=13&depid=4&lcid=58000

[2] ينظر ميجان الرويلي ,سعد البازعي ,دليل الناقد الادبي ,ص 308

[3] مجلة جامعة بابل ,العلوم الانسانية ,المجلد 22,ع1, 2014

[4] مصدر سابق ص 309 




تعليقات