الواقعية بين تشيخوف وابسن

 

 

مقدمة :

يقول الناقد الروسي بليخانوف ((ان جوهر الفن هو التعبير عن احاسيس الناس وافكارهم ))

وكلاهما (الاحاسيس والافكار ) اشياء غير مرئية وغير محددة الابعاد وكلما كانت اكثر صدقا وقوة اصبحت روائع  خالدة على مر العصور .

الواقعية : احدى المدارس او المذاهب الاساسية في الفن والادب ,ظهرت منتصف القرن التاسع عشر ,ولظهورها اسباب عديدة منها :

1-    التغيرات السياسية التي شهدتها اوروبا  آنذاك والتي ادت الى ظهور دول جديدة حديثة كانت جزءا من امبراطوريات او ممالك وظهور الطبقة  الوسطى التي تعتبر المستهلك الحقيقي للفنون وظهرت مشكلات اجتماعية جديدة تحتاج معالجتها الى شكل جديد في الطرح على مستوى النص والعرض .

2-    ظهرت كرد فعل على النمط السائد آنذاك من الرومانسية الغارقة في الخيال والعاطفة ,والميلودراما التي تشتهر بالمبالغة في تصوير العواطف ونموذجية الشخصيات .

وقد اشتهر العديد من الكتاب الواقعين بدأ ب(الكسي بيزمسكي ) وليو تولستوي في مسرحيته(قوة الظلام ) لكن ارتبطت الواقعية بأسمين بارزين هما انطون تشيخوف وهنريك ابسن .

انطون بافلوفتش تشيخوف (1860_1904 )

طبيب وقاص وكاتب مسرحي روسي ,يعتبر احد ابرز رواد الواقعية في الادب والمسرح ,بدا الكتابة وهو طالب في كلية الطب ولم يتوقف عن الكتابة حتى وفاته .

بدا حياته الادبية بالكتابة في الصحف اليومية تحت اسم مستعار هو( انطوشاتشيخونتا ) ثم نمت موهبته وتطورت فكتب عشرات القصص والقصص القصيرة نال بعضها شهرة عالمية واسعة مثل (موت موظف),( الحرباء ),(عنبر رقم 6 ) .

اما في المسرح فكتب 14 مسرحية نالت 4 منها شهرة عالمية وهي :

(النورس) , (الخال فانيا) ,(الشقيقات الثلاثة) ,(بستان الكرز ).

لم يبتعد (تشيخوف ) في اعماله القصصية او المسرحية عن الواقعية بل كان يتجول في الاسواق والاحياء الشعبية الفقيرة ويسمع الاخبار من صغار الموظفين والحرفيين ليستقي افكارا لأعماله .

 

 

هنريك يوهان ابسن (1828-1906)

شاعر وكاتب مسرحي نرويجي ,يعتبر رائدا للواقعية رغم ان الكثير من اعماله تنتمي للرمزية .

كتب ابسن 26 مسرحية نالت 7 منها شهرة عالمية وهي :

(الاشباح),(بيت الدمية ) ,اعمدة المجتمع ),( عدو الشعب ),(هايداجابلر ) ,(روزمرشولم ) و(البطة البرية ).

 

 

اوجه التشابه بين واقعية (تشيخوف)وواقعية (ابسن ) :

1-    بدء (ابسن) حياته شاعرا وبدا(تشيخوف)حياته قاصا و انتقلا الى كتابة المسرحية بعد وصولهما الى مرحلة من النضج الادبي والفني .

2-    تمرد الاثنان على الميلودراما التي كانت لها المكانة الابرز قبل الواقعية فابتعدا عن المبالغة في تصوير العواطف  وفي اضفاء المثالية على شخصياتهم المسرحية فكانت شخصياتهما نابضة بالحياة وانسانية في صفاتها الايجابية والسلبية ولا تغطي ابدا على قوة الفكرة أو الحبكة .

وكما يقول الاديب العالمي برنارد شو (( لقد قدم لنا شكسبير شخصيات خالدة في المسرح وقدم لنا ابسن افكارا خالدة)) .

3-    اللغة المختزلة : رغم ان ابسن كان شاعرا وكتب مسرحيتين شعريتين هما (براند)و(بيرجنت ) الا انه لم يقع في فخ الزخرفة اللفظية .

كتب الاثنان بلغة واضحة بليغة  تحمل (شعر الموسيقى الكامنة  في النص ) وابتعدا عن المونولوجات الطويلة.

4-    النقد الاجتماعي : عاش الاثنان في فترة تحولات كبيرة عاشتها اوروبا والعالم الاجمع في اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وهي تغييرات سياسية اطاحت بأنظمة ملكية واقطاعية وتغيرات اجتماعية شهدت دورا اكبر للطبقة الوسطى والفقيرة , لازمت هذه التغيرات مشاكل عديدة اثرت على حياة الناس فكانت الواقعية ترصد هذه المشاكل وتقدمها لنا بطريقتها الانتقائية في الادب والفن .

وقد قدم (ابسن )و (تشيخوف ) العشرات من هذه المشاكل في اعمالهما التي امتازت في معظمها بالتراجيديا حتى المسرحيات الكوميدية التي قدمها (تشيخوف ) مثل (الدب) و(اليوبيل ) التي كانت تحمل المزاج التراجيدي .

لكن (ابسن ) كان اكثر اهتماما بالمشاكل التي تمس الحياة العائلية والعلاقات الزوجية بينما كانت المشكلات السياسية والطبقية اكثر وضوحا في اعمال (تشيخوف) ويعود هذا الى التغيرات الكبيرة التي شهدتها روسيا في تلك الفترة مثل حرب القرم والغاء نظام القنانة والحرب الروسية اليابانية التي هزت بنية المجتمع الروسي .بينما كان النرويج في تلك الفترة يتمتع بالاستقرار .

5-    التواضع والنقد الذاتي :يتمتع (تشيخوف )و (ابسن ) بالتواضع الشديد وهذا نابع من فكرهما المستنير وروحهما الانسانية فقد كان (تشيخوف ) يرفض ان يضع كتبه في مكتبته الخاصة لان يرى نفسه اقل بكثير من العمالقة الذين ملات كتبهم مكتبته مثل (سوفوكلس )و (شكسبير )و(موليير )وحتى الادباء الروس (تولستوي )و(ديستيفسكي ).

6-    الاهتمام بقضايا المراة : اهتم الاثنان بقضايا المرأة بأعتبارها نصف المجتمع  وابرزا صورة المراة بطريقة بعيدة عن النمطية حتى ان الكثير من اعمالهما كانت مثيرة للجدل مثل مسرحية (بيت الدمية ) لابسن و(الشقيقات الثلاثة ) لتشيخوف .

 

اوجه الاختلاف بين واقعية تشيخوف وواقعية ابسن :

1-    اعتمد (ابسن)نظام الفصول الثلاثة في اغلب مسرحياته بينما لم يتقيد (تشيخوف )بنظام محدد فكتب مسرحيات من 4 فصول ومسرحيات من فصل واحد ومسرحيات بشكل مشاهد كما هو الحال في المسرحيات الشعرية الروسية التي انتشرت مطلع القرن التاسع عشر  .

2-    لم تنل اعمال (تشيخوف ) شهرة عالمية اثناء حياته لكنها كانت ذائعة الصيت في روسيا خاصة بعد ان قدمها ستانسلافسكي من خلال (مسرح موسكو الفني ).

بينما كانت مسرحيات (ابسن ) تقدم في كل مسارح اوربا حتى مسرحيته (بيت الدمية )و(الاشباح ) التي اثارت جدلا منعت من العرض لفترة قصيرة ثم تبنى تقديمها (اندريه انطوان ) على خشبة (المسرح الحر ) .

3-    كانت اعمال (ابسن ) تعبر عن مشاكل الطبقة الوسطى اما اعمال (تشيخوف) فغالبا ما تتحدث عن الطبقات الفقيرة والمسحوقة في المجتمع الروسي .


تشيخوف


للمزيد من المعلومات يمكنك زيارة متجرنا (كلمة وتكوين ) على الرابط 

تعليقات