الرمزية بين الادب والمسرح





الرمزية بين الادب والمسرح







ابسن



مقدمة
الرمز" كل ما يحل محل شيء اخر في الدلالة عليه لا بطريقة المطابقة وانما بالايحاء" ..1
والرمز غالبا  اشارة او صورة  لها دلالة او معنى في مجال التجربة الانسانية المحسوسة  فرديا  او المتوارثة وهو موجود منذ  القدم وهذا ما نراه في رسومات الكهوف والكتابات القديمة(المسمارية والهيروغليفية وغيرها ) ,و في الاديان السماوية والآداب والفنون على مر العصور .
 اما الرمزية فهي مدرسة  ظهرت في الادب  اواخر القرن التاسع عشر ثم انتقلت الى الفنون التشكيلية والبصرية و جعلت للرمز وظيفة روحية  هي محاولة اكتشاف اسرار الوجود والنفاذ الى عوالم لا تصل اليها الحواس وانتقلت به من عالم الحواس الى عالم النفس و المعاني المجردة  ..2.
وقد ظهرمصطلح الرمزية لأول مرة في مقال نشره الشاعر جان موريس عام 1885 ردا على تسمية  العديد من النقاد لفناني الحركة بأنهم منحلون وفوضويون ومتمردون على المدارس العريقة كالرومانسية والواقعية فقال انهم ليسوا كذلك بل هم فنانون يسعون الى المفهوم الصافي والرمز الابدي واسس مجلة اسماها الرمزي ...3

الاسس الفكرية للرمزية
1-لقد تأثرت الرمزية بالفلسفة وخاصة الفلسفة المثالية الالمانية وتحديدا نظرية كانط في استحالة الوجود الموضوعي للعالم الخارجي بحد ذاته بل ان الظواهر الخارجية  يعاد تشكيلها وتكتسب معاني جديدة عندما تدخل العقل البشري ...4
2-كما تأثرت الرمزية بنظرية (الفن للفن ) في محاولة جعل اي عمل فني  عملا متكاملا يقترب في شكله من الموسيقى .
والرمزية كمدرسة ادبية  لم تنشا فجأة بل بمراحل على ايدي ادباء قام كل منهم ببلورة احد مبادئها ,ويمكن تلخيص هذه المبادئ :
1-    رفض محاكاة الواقع : لانها لا تبحث عن الواقع الحقيقي بل عن العالم الروحي الحقيقي
2-    التركيز على الخيال لانه وسيلة اكتشاف المعاني الرمزية الكامنة في التجربة الحسية وهي بهذا تتشابه مع الرومانسية لكنها اكثر انتقائية .
3-     وحدة العمل الفني واستقلاله ,لا نحكم عليه بقوانين خارجية والعمل الجيد هو الذي يوصل لنا حقيقة روحية بصورة جيدة  حتى لو كانت قبيحة او لا اخلاقية ..
.
4-    اعتماد الإيحاء واكتشاف الموسيقى الكامنة في الكلمات .
5-    اعتماد المفارقة والتضاد الذي يكون حادا احيانا  والاستعارات الغريبة للصور والاصوات وهذا وجه للتشابه بينها وبين التعبيرية. ..5

سمات المسرح الرمزي

1-    الشخصيات ليست شخصيات لها ابعادها وماضيها بل ارواح تتصارع  لاكتشاف دورها في الوجود وترمز الى مجموعات او طبقات كما في التعبيرية ...6
2-    وجود حبكات متوازية ,مع ايقاع حيوي وحوار قليل معبر واستخدام مؤثر للاضاءةوالالوان والمنظر وقطع الديكور .
3-    وجود تيارين مسرحيين تأثرا بالحركة الرمزية , الأول يستخدم الرمز , حيث يحافظ على المستوى الواقعي مع إعطائه بعداً رمزياً يشكل معنى أعمق و أكثر دواماً للحدث الخارجي ( كما فعل أبسن في مزاوجته بين الواقعية و الرمزية , وتعامل مع المظهر الواقعي بالإيحاء الرمزي في مسرحياته ” البطة البرية” و ” عندما نبعث نحن الموتى” . و أيضاً كما فعل سترندبرغ في مسرحياته  الحلم” و ” سوناتا الشبح”.
أما الثاني , فهو تيار مسرحي رمزي خالص , يعكس الاعتقاد بأن العالم المحسوس ما هو إلا ستار يحجب الغيب و يجب اختراقه, و يقترب العمل الدرامي فيه من القصيدة الشعرية . يجسد هذا التيار بحث الحركة الرمزية لكن على صعيد المسرح , فأهمية الرمزية تكمن في كونها حركة تجريبية بحتة و ضعت عند ظهورها لبنة تحولات جذرية في الفن المسرحي على صعيد الكتابة , و من ثم على صعيد العرض المسرحي . فنصوص المسرح الرمزي لا تحتوي على حبكة بالمعنى التقليدي للكلمة , و أنما تقوم على عرض مشاعر و أحاسيس تجسد معان صوفية . تعطي بذلك الأولوية للكلمة التي تشغل أيضا الحيز الأساسي في العرض المسرحي , مما يلغي دور الخشبة كمكان للفعل ليجعل منها فضاء للشعر.
ويمثل هذا التيار  الكاتب البلجيكي موريس ميترلنك في اعمال مثل ( العميان) و(الدخيلة ).

4-    الحركة طقسية مختزلة وكذلك اللغة وهناك مساحة للصمت والسكون ,اذ ان الفعل الدرامي موجود في الصمت والصراع الداخلي واضح في السكون ...7

5-    ان الفرق بين الرمزية والمدارس المسرحية  التي تلتها في مطلع القرن العشرين كالسريالية والمستقبلية  ان الرمزية  لم تحاول الغاء اللغة بل اختزالها  وتشذيبها من الخيال المفرط والشاعرية التي امتازت بها الرومانسية وعدم استخدام الخطب والمونولوجات الطويلة التي تهبط بالايقاع المسرحي وتصيب المتلقي بالملل .
6-    يبحث الرمزيون عن الانسجام في العرض المسرحي (الهارموني ) ,وهذا يتطلب من الممثل موهبة وادراك وتمرين مستمر للوصول الى حركة اقرب للباليه كي لا يشكل عبأ على التشكيلات البصرية وقد اصبح هذا اساسا لعمل الكثير من المخرجين ومنهم غوردون كريج وادولف ابيا  ...8.


للحصول على مصادر في فن المسرح يمكنكم زيارة متجرنا (كلمة وتكوين ) على الرابط 


المصادر :

]-1مجدي وهبة, كامل المهندس   ,معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب ,مكتبة لبنان,الطبعة الثانية , 1984, ص181
2- ينظر المصدر السابق ص181
3- ينظر رينيه ويليك ,مفاهيم نقدية ,ترجمة د.محمد عصفور , سلسلة عالم المعرفة 110 ,فبراير 1987
4ينظر د. نهاد صليحة ,التيارات المسرحية المعاصرة,الهيئة المصرية العامة للكتاب /مهرجان القراءة للجميع 1994ص .23
5 المصدر السابق مواضع متفرقة
6 المصدر السابق مواضع متفرقة.
7 ينظر ستيوارث كريفش صناعة المسرحية ,ترجمة د.عبدالله معتصم الدباغ ,دار المأمون ,بغداد ,1986 .

8 ينظر سعد اردش المخرج في المسرح المعاصر, سلسلة عالم المعرفة 19 ,فبراير 1979

تعليقات