المسرح الصربي

 

المسرح الاوروبي


مقدمة

يحدد النقاد عمر المسرح الصربي بشكله الحديث  بثمانية  قرون, اي انه بدا في العصور الوسطى ,تلك الحقبة الصعبة التي امتازت بقوة ونفوذ الكنيسة ومطاردتها لاي نشاط مناهض لها او بعيد عن نهجها ,وبالطبع كان فنانو المسرح   يعانون من الرقابة الشديدة خوفا من اعتبارهم كفرة واحالتهم الى ديوان محاكم التفتيش  .

المرحلة الاولى  (1200_1400)

كانت عروض المسرح الصربي الاولى في القرن الثالث عشر عبارة عن عروض ارتجالية فكاهية تقدمها الفرق الجوالة في الشارع ,تشبه الى حد كبير (كوميديا دي لارتا )* ,وكانت غالبا ما تقدم دون موافقة الكنيسة التي كانت   تمنع  هذه العروض   لأنها اماكن للتجمعات التي قد تؤدي الى احتجاجات مناهضة للسلطة ,ولان بعض رجال الدين المتعصبين وصفوا تلك المقاطع التمثيلية بأنها ((افعال شيطانية ضارة )) مما ادى الى انكماش كبير في الحركة المسرحية او اقتصارها على ما يسمى مسرحيات (الاسرار والمعجزات ) التي تتناول حياة السيد المسيح (ع) وحياة القديسين  .

اما في القرن الرابع عشر فقد انتعشت الحركة المسرحية قليلا بفضل اهتمام العديد من الحكام  الصرب بالموسيقى والنشاطات الترفيهية لكن العروض المسرحية اصبحت في الغالب عروضا موسيقية ذات حوارات قليلة .

المرحلة الثانية  (1500-1900)

عاشت صربيا مرحلة مضطربة طوال هذه القرون فتقسمت اراضيها بين الدولة العثمانية والامبراطورية النمساوية وامبراطورية هابسبورغ بالتعاقب والتوازي ,وما يتخلل ذلك من حصار و تدمير  للمدن واضطهاد للمواطنين الصرب من قبل المحتلين .

ومن الطبيعي ان ينعكس ذلك على الحركة المسرحية والفنية بشكل عام   ,لذا فقد ظلت الحركة المسرحية ضعيفة جدا خصوصا في فترات الحكم التركي الاسلامي الذي يحرم مثل هذه النشاطات الفنية باستثناء بعض الاعمال المسرحية التي قدمت خلال  فترات مستقلة قليلة والتي كانت تقدمها في الغالب فرق اجنبية قادمة الى مناطق صربيا غير الواقعة تحت  النفوذ التركي .

نشطت الحركة المسرحية في صربيا من جديد عندما تزامن ضعف السيطرة التركية على الاراضي الصربية مع تطور ونشاط الحركة المسرحية في غرب اوروبا والذي تأثر به عدد من المثقفين والفنانين الصرب ونقلوه كما هو الى بلادهم  في اواخر القرن الثامن عشر .

وفي عام 1813 عرضت اول مسرحية  (كسارة البندق) من قبل فرقة (يواكيم  فوجيك) الذي يطلق عليه النقاد والباحثون اسم (الاب الروحي للمسرح الصربي )والذي كان كاتبا وممثلا ومخرجا  , وفي عام 1838 انشأت اول فرقة مسرحية في منطقة  نوفي ساد ثم انتقلت الى زغرب  و اندمجت  عام 1842 مع مسرح (دجومروك) ليكونا اول مؤسسة مسرحية متكاملة في صربيا, بل وفي المنطقة السلافية الجنوبية بأكملها اعقبها تأسيس المسرح الوطني في بلغراد عام 1868 الذي يعتبر الحدث الاهم في تاريخ المسرح الصربي  ويتم الاحتفال به سنويا .

 وظهر فنانون بارزون  مثل الكاتب المسرحي الكبير (جوفان  بوبوفيتش1806_1856) الذي تاثر بالمدارس المسرحية الاوربية كالكلاسيكية والرومانسية والواقعية وطوعها  بما يناسب طبيعة المجتمع الصربي وذائقة جمهوره وكتب عشرات النصوص الكوميدية والتاريخية والاسطورية التي لازالت تمثل على خشبات المسارح الاوربية .

والكاتب (اوريسي كوستيتش 1841-1910)الذي  قدم بعض المسرحيات الوطنية الى جانب العديد من المسرحيات الرومانسية الممزوجة بمآسي شكسبير الشهيرة .

والكاتب الاشهر في هذه المرحلة كان برانسيلاف نوتشيش (1864-1935) الذي قدم  مجموعة من اروع الاعمال المسرحية التي مزج فيها بين المسرح السياسي والكوميديا السوداء .

وقد امتازت الاعمال الصربية في هذه الفترة بالتأثر الكبير بالمسرح الالماني  وبتأجج الروح الوطنية التي تزامنت مع انتفاضات في عدد من المدن السلافية وجمهوريات البلقان ضد الاحتلال التركي .

 

المرحلة الثالثة (القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين )

اصبح انتاج المسرح الصربي اكثر غزارة واصبح فنانوه اكثر انفتاحا على المسارح الاوربية الاخرى خاصة المسرح الروسي للتقارب الجغرافي بين روسيا وصربيا وتزايد النفوذ الاشتراكي في صربيا بعد الثورة البلشفية عام 1917,وزيارة العديد من الفرق المسرحية الروسية وابرزها فرقة مسرح موسكو الفني الى صربيا  في السنوات التي اعقبت الحرب العالمية الاولى .

وفي فترة ما بين الحربين العالميتين    اصبح مسرح بلغراد المسرح الاكثر تميزا في وسط اوروبا وجمع بين اسلوب المسرح الروسي (من حيث واقعيته وتقنيات اداء الممثل فيه) ,وبين المسرح الفرنسي (من حيث التجريب في الاخراج والبناء النفسي للشخصية الدرامية ) مازجا اياه بالفلكلور الصربي المعبر عن الهوية الوطنية  

 لكن العصر الذهبي  للمسرح الصربي بدأ في خمسينات القرن الماضي بعد الانتعاش الاقتصادي الذي عاشته دول المعسكر الاشتراكي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية و بعد انفتاحه على مسرح العبث الذي كانت عروضه شبه محظورة في دول  شرق اوروبا  فقدمت مسرحيات (يوجين يونسكو)و(صموئيل بيكيت) على خشبات  المسارح الصربية ومعها مسرحيات (ارثر ميلر)و(تينسي ويليامز ) التي تحمل روح الغرب الامريكي وفكره الرأسمالي.  

السمات العامة للمسرح الصربي :

1-    التاثر بالمسارح الاوربية  : ان مرور المسرح الصربي لفترات من الركود خلال مسيرته جعلته يتأثر كثيرا بالمسارح الاوربية النشطة والمميزة مثل المسرح الفرنسي والمسرح الالماني لكن الاثر الاكبر عليه كان للمسرح الروسي .

2-    الواقعية  :رغم تقديم المسرح الصربي لعروض مميزة تنتمي للمدارس الكلاسيكية والرومانسية والرمزية احيانا الا ان السمة الغالبة لعروضه هي الواقعية وهي سمة لا ينفرد بها المسرح الصربي بل هي سمة غالبة على مسارح شرق اوروبا .

3-    الاسطورة والحكايات الشعبية  : رغم انفتاح المسرح الصربي على الحركات الفنية الحديثة كالتجريب وما بعد الحداثة الا انه قدم الاسطورة الصربية والحكايات القادمة من الفلكلور الصربي الشعبي بأسلوب مميز وكان تقدم بصورة اغاني فلكلورية كمشهد من العرض المسرحي او كمقدمة للعرض المسرحي  كما في المسرحيات الاغريقية القديمة .

4-    تطور التقنيات المسرحية  : ينفرد المسرح الصربي بالأبداع في استخدام الازياء والديكور والاضاءة بشكل فخم على خلاف مسارح شرق اوروبا التي تعتمد البساطة وتركز على اداء الممثلين وينحى بعضها نحو (المسرح الفقير )*,

اذ تعتبر السينوغرافيا عنصرا لا يقل اهمية عن الممثل في العرض المسرحي الصربي  وتستخدم فيها عناصر الرسم والزخرفة والتصاميم ثلاثية الابعاد والخلفيات السينمائية .

وهذه  الميزة جعلت المسرح الصربي يستقطب  العديد من مصممي الديكور والمناظر المسرحية من بولونيا وبلغاريا وغيرها من دول اوربا الشرقية الذين وجدوا فيه مجالا رحبا لإبداعاتهم .

5-    الاهتمام بمسرح الطفل  :لغرض تربية جيل مثقف ومحب للفنون تهتم صربيا كثيرا بمسرح الطفل وتقدم المسارح العامة مسرحيات للأطفال ضمن برامج عروضها اضافة لوجود الكثير من المسارح المخصصة للأطفال ومسارح الدمى .

 

من الجدير بالذكر ان المسرح الصربي الوطني انشا مسارح مميزة في العديد من الدول الاوربية اضافة الى مسارحه في لوس انجلوس وتورنتو وسيدني التي تقدما مهرجانات سنوية واسابيع ثقافية للتعريف بالفن والتراث الصربيين.

 

 

 

 

الهوامش:

* كوميديا دي لارتا :كوميديا شعبية ايطالية ظهرت في القرن السادس عشر كانت تقدم في الساحات العامة .

*المسرح الفقير :مسرح بولوني اسسه الكاتب والمخرج الكبير (جيرزي كروتوفسكي ) مطلع القرن العشرين يعتمد على تقنيات اداء الممثل بشكل رئيسي مع الاقتصاد في العناصر الاخرى كالديكور والإضاءة والازياء وغيرها .

 

المصادر :

1-    Theatre & performance in eastern Europe-the changing scene / by  dennis barnett & Arthur skelton /scarecrew press /lanham /U.S.A  /2007 .

2-    موقع  منظمة (  blago  ) الصربية للثقافة والفنون/سان فرانسيسكو  .

 


تعليقات