نظريات التلقي

 


مقدمة :

يعرفه  باتريس بافيس بأنه :

"وضعية ونشاط المشاهد المواجه بالعرض والطريقة التي يستعمل فيها المواد القادمة من الخشبة لعمل منها تجربة جمالية ". 1

ثم يعرفه :

"دراسة الاحاسيس والمشاعر في العمل الفني ومتابعة اثارها في الموضوع المدرك " 2

لقد كانت الدراسات النقدية القديمة تتناول العمل الابداعي من وجهة نظر الارسال –اي منظومة النص والعرض- دون الاخذ بنظر الاعتبار دور المتلقي في ذلك .

اما الدراسات الحديثة التي قام بها عدد من الباحثين مثل امبرتو ايكو وهانز روبرت ياوس وفولفجانج ايزر فقد بينت العلاقة المتبادلة بين الارسال والتلقي اذ لايمكن استيعاب ايا منها بمعزل عن الاخر فالمتلقي شريك للمبدع الاصلي للعمل و ليس مستهلكا سلبيا له .

ودراسة التلقي  تنفتح على وترتبط بالعديد من الدراسات الاخرى ,السيميولوجية والايديلوجية والسايكولوجية اضافة للدراسات التاريخية والجمالية اذ تتداخل وتتكامل معها .

فنرى ياوس ياخذ عن فرويد قوله] ان اللذة الجمالية الخالصة تعمل كحافز يولد لذة اخرى اكثر عمقا تصدر عن اغوار اكثر عمقا في النفس البشرية وهذه اللذة قائمة على المشاركة والملائمة ,وان التوازن بين التفكير الذاتي والمشاركة هو محاولة لفهم الذات من خلال الاخر[.3

ويرى الباحث ان تغير الذائقة الجمالية  بعد الحربين العالميتين ,وعزوف الجمهور عن العروض المسرحية التي كانت سائدة قديما لقصورها عن مجاراة واقع الحياة  والتعبير عنه, دفعت النقاد والباحث لدراسة دور المتلقي في الابداع الفني . 

ان نظريات التلقي تنطلق من سؤال مهم :

من الذي يقيم  العمل الابداعي ؟

والجواب بالتاكيد هو المتلقي لان العمل الاداعي سواء (كان نصا ام عرضا ) مقدم له , فهو شريك ايجابي متفاعل في العملية الابداعية كلها .

 

 

 

 

نظريات  التلقي الحديثة (مدرسة كونستانس الالمانية ) :

نسبة الى جامعة كونستانس جنوب المانيا واليها ينتمي العالمان هانز روبرت ياوس وفولفجانج ايزر.

وكلاهما يستند الى  العلوم الطبيعية  التي تضع فرضيات مسبقة في محاولة لتخمين نتائج التجربة من جهة  , ومن جهة اخرى يستندان الى الفلسفة الظاهراتية التي جاء بها االعالم هوسرل خاصة فيما يتعلق بقصدية الوعي فالعمل الابداعي يتجه قصديا الى المتلقي ويصبح استقبال المتلقي له جزء من تاسيسه .

كذلك استفاد ياوس وايزر من طروحات (هانز غادامير ) في التاويل ,اذ يؤكد غادامير اهمية المتلقي كذات فاعلة ويؤكد ان الدائرة التاويلية التي تقوم الفهم المتبادل بين الكل والجزء هي في  نفس الوقت محاولة لفهم الاخر من خلال اسقاط ذواتنا عليه وملا الفراغات ما بين سطوره .

ان المنطلقات الاساسية لنظرية التلقي هي ان العمل الابداعي لا يكتمل الا بوجود المتلقي الذي يعيد انتاجه بفعل قراءة واعي قادر على الفهم والتاويل ,وهذا المتلقي قد يكون قائا او مشاهدا, او قد يكون المؤلف او المخرج لان كل عمل ابداعي له جذوره في اعمال سابقة لمبدعه او جنسه الادبي او الفني .

 

نظرية ياوس

]ان منطلقات ياوس في التلقي تاريخية وادبية معا , فقد كان احد الاسباب التي دفعته للبحث في جماليات التلقي  هو رغبته في ايجاد نظرية جديدة  للادب يكون المتلقي عاملا فعالا فيها , ورفضه لنظريات الادب الموجودة  سواء كانت سياقية تنفي صفة الابداع عن العمل الفني والادبي مثل النظرية الماركسية او تلك التي تدعو الى (ادبية الادب ) و(الفن للفن ) كما لدى البنيوين والشكلانيين الروس  [.4  

 

وقد جاء ياوس بمفهومين مترابطين هما افق التوقع والمسافة الجمالية  

وافق التوقع "  الافق الذي يتكون عند المتلقي من خلال تراث او سلسلة ن الاعمال المعروفة السابقة , وبالحالة الخاصة التي يكون عليها الذهن وتنشا ن بروز الاثر الجديد عن قوانين جنسه ,كذلك لا يوجد تواصل باللغة لا يمكن ارجاعه الى اصطلاح عام او شروط مسبقة" 5

اما المسافة الجمالية : فهي المسافة الفاصلة بين العمل الابداعي والمتلقي وهي صفة تصب في التذوق الجمالي وتكون العلاقة بينها وين افق التوقع عكسية اذ كلما اقترب العمل من افق توقع المتلقي كلما قلت المسافة الجمالية  بمعنى ان العمل يهبط الى المستوى التقليدي ولا يترك اثرا او دهشة عند المتلقي .

هناك عوامل عديدة تساهم في زيادة المسافة الجمالية اهمها :

1-    استخدام الرموز والايحاءات والعلامات ( خاصة المصنعة  المبتكرة و ليس الطبيعية المتعارف عليها  )والابتعاد عن المباشرة في الخطاب .

2-    اداء الممثلين.

3-    التجريب والتشويق: على مستوى المعالجة الاخراجية والاستخدام المميز للتقنيات المسرحية والايقاع الحيوي للاحداث واستخدام كل ما هو جديد وغير مالوف.

 

لكن تبقى ذات المتلقي وما يتمتع به من خبرة جمالية وثقافة هي العامل الحاسم في تحديد المسافة الجمالية وتقييم العمل الابداعي .

 

نظرية ايزر

 

  اهتم  ايزر ببناء المعنى وطرق تفسير النص اذ يرى ان اي نص يحتوي على فجوات , يقوم المتلقي بملئها لتكتمل العملية الابداعية اي ان  النص يتضمن حتمية ماثلة يطلق عليه القارئ الضمني .

وهذا القارئ الافتراضي قارئ له قدرات خيالية يوجهها للتحرك مع النص باحثا في بنائه عن نقاط القوة وقادرا على ملا كل الفراغات فيه  ىمن خلال  الاستجابة للاثارة الجمالية التي يحدثها العمل فيه .

 ]يؤكد ايزر على مسالة مهمة هي ان للنص الأدبي قطبان ،هما القطب الفني أو الاست ، وقطب التحقق الذي يتم بواسطة القارئ ، مما يجعل العمل الأدبي غير مساو للنص ، أو مساويا لتحقيقه وإدراكه إذ يقع في منزلة بين منزلتين وفي  الجدلية المستمرة .  

لذلك تستند عملية القراءة لدى(ايزر) على ثلاثة  أسس هي

 : 1-النص ,   2-القارئ  , 3- الظروف التي تحكم عملية التفاعل بينهما

للوصول إلى المعنى الذي لا يعد موضوعا قابلا للتحديد بل هو اثر تجربة المرء وهذا الأثر يعتمد على صور ذهنية قابلة للتجدد،[ .6

 

 

 

الهوامش :

 

1-       بافيس , باتريس, معجم المسرح ,تر :ميشال ف. خطار , المنظمة العربية للترجمة , ط1 , بيروت ,2015, ص 445.

2-    المصدر نفسه .

3-       ينظر هيلتون ,جوليان , اتجاهات جديدة في المسرح ,تر: امين الرباط ,سامح فكري ,مركز اللغات والترجمة –اكاديمية الفنون ,ط2 ,1995, ص ص  34و35

4-    ينظر  عبد الناصر حسن محمد,نظرية التلقي بين ياوس وايزر , كلية الاداب- جامعة عين شمس ,2002 ,  ص ص 9, 11.

5-    المصدر السابق ص 21 .

6-    ينظر علي عبد المحسن علي , الظاهراتية وتأثيرها على أداء الممثل في عروض المسرح العراقي, بحث منشور على شبكة الانترنيت.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


تعليقات