ارتو ....ومسرح القسوة Théâtre de la Cruauté

 



ارتو


 

ارتو ومسرح القسوة

مقدمة

انتونين ارتو (1896-1948) مخرج وكاتب مسرحي , وسيناريست وممثل سينمائي فرنسي اسس عام 1926 مسرح (الفريد جاري )الذي كان شديد التاثر به وبرمزيته ,كما  تاثربالحركات التشكيلية كالسريالية والدادائية  وفنون الشرق الاقصى وعكس  ذلك في اعماله التي تنتمي الى ما اسماه (مسرح القسوة ).

فلسفة القسوة :

يعبر ارتو, عن رؤيته للمسرح بانه يجب ان يكون (طاعون )سريع التفشي ورغم غرابة هذه المقولة والتي عرضته للانتقاد من قبل معاصريه الا انها تنطوي على فلسفة خاصة تقترب من فلسفة المسرح الطليعي وتقوم هذه الفلسفة على مستويين :

1-    التركيز على داخل العقل الباطن والأحلام والغرائز .

2-    استخدام البدائية والطقسية والأسطورة .

وغاية هذه الفلسفة الوصول بالمتلقي الى حالة من (اللاعقلانية والهذيان ) تشبه طقوس السحر والتعزيم التي لا زالت تقوم بها العديد من القبائل في العالم خاصة في اسيا وافريقيا ,فيقوم المؤدون لهذه الطقوس بحركات مدروسة ومنتظمة على ايقاعات متواترة متصاعدة فيصلون الى حالة من الغشية سرعان ما تنتقل الى الجمهور وتصل احيانا الى حد الاغماء ,فتحدث للمتلقي حالة تشبه التطهير (الكاثرسيس ) عند الاغريق القدماء .

ان الصدمة والاستفزاز الذان يقدمهما العرض المسرحي عند ارتو يسببان القسوة التي تحرر كل المكبوتات الانفعالية عند المتلقي.

 

 

تقنيات الاخراج عند ارتو

1-    تعامله مع النص : الكثير من اعمال ارتو لا تستند الى نص مكتوب وان استندت فهي لا تقدس النص , اذ يختزل ارتو الحبكة التقليدية ويجعل النص اطارا للحدث والفعل الدرامي ويملا الفجوات فيه بالحركات والإيماءات والأصوات ففكرة المسرح عنده فكرة مرئية ولهذا يستبعد المؤلف الذي يقدم المفاهيم والافكار ويستعيض عنه بالمخرج الذي يقدم المرئيات 2 .

2-    تعامله مع نص العرض (السكربت ): لا يوجد سكربت بالمعنى المتعارف عليه في اعمال ارتو بل كان عبارة عن  ملاحظات كثيرة ومحاولة لتدوين الايماءات والحركات والاصوات البدائية .

3-    تعامله مع الحوار : الحوار في مسرح القسوة قليل جدا لا يتعدى بضع جمل تكون كلماتها مختزلة ومتفرقة وكثير من عروضه كانت صامتة اذ يرى ارتو ان قيمة الكلمة ليست في معناها بل بالتعبير الذي تحمله عن حالة لا شعورية فاللغة والمفردات تختلف من مكان الى اخر ويختلف تاثيرها من متلقي الى اخر حسب ثقافته وبيئته لكن الاصوات (الهمهمة والصراخ والتأوه ) وغيرها من وسائل ما قبل التعبير هي مفهومة من قبل كل العالم ولها نفس التأثير مهما اختلف المتلقي .ومن هنا كان استخدامه للأسطورة والطقسية لما لها من تاثير في الوعي الجمعي .

لقد رفض ارتو السردية وشعرية اللغة التي كانت تطبع المسرح الفرنسي واقترح بديلا عنها شعر الفضاء الذي اعاد تشكيله معماريا ودراميا مستخدما كل الوسائل التقنية لتحقيق ذلك        

4-    تعامله مع الممثل :الممثل عند ارتو هو العنصر الاساسي في العرض المسرحي , ان الحركات القوية المتتابعة والرقص والدخول الى مناطق العقل الباطن والأحلام تتطلب ممثلا له لياقة عالية من الناحيتين الجسدية والصوتية وله خيال خصب وذاكرة قوية وبديهة قادرة على الارتجال والتعبير عن حالات تصل الى حد المس او الجنون ولهذا كان ممثلو ارتو يخضعون لتدريبات قاسية طويلة لتطوير امكانياتهم خاصة انهم يؤدون شخصيات معقدة تعتبر نماذج  كما في المدرسة التعبيرية وهي شخصيات مركبة صعبة التجسيد  .

 

تقنيات العرض المسرحي في مسرح القسوة

1-    ثار ارتو على مسرح العلبة الايطالي واكد ان لكل عرض خصوصيته ومكانه فعرض في الساحات والمعامل  والاسطبلات وغيرها من الاماكن, ودعا الى مشاركة الجمهور في العرض المسرحي من خلال الغاء المسافة بين الصالة والخشبة واجلس الممثلين على كراسي دوارة ليتابعوا الممثلين عند تحركهم .

2-    استخدم الاضاءة  بشكل تعبيري اذ ان الاضاء لديه تخلق تاثير الاحلام والكوابيس من خلال التلاعب بالظل والضوء لخلق اشكال مشوهة .اما استخدام الالوان في الاضاءة والمنظر فكان رمزيا للتعبير عن جمع الاضداد مثل الحياة والموت , الخير والشر فالاحمر رمز للدم واحيانا رمز للحياة , والابيض رمز للموت والاصفر رمز للعذاب وهكذا .

3-    استخدام الاشكال الهندسية في المنظر وقطع الديكور :

وظف ارتو الاشكال الهندسية توظيفا امثل في اعماله فالاشكال ذات الزوايا الحادة كانت  للتعبير عن العزلة والاغتراب الذان تشعر بهما الشخصية الدرامية او للتعبير عن القلق والتوتر وترقب الحدث .

اما الاشكال الدائرية والبيضوية فاستخدمها للتعبير عن ضياع الشخصيات ودورانها في هذا العالم ضمن حلقة مفرغة , واستخدمها في بعض مشاهد القتل والتعذيب لان العجلة الدائرية كانت احد ادوات التعذيب في القرون الوسطى واستخدم الاشكال البيضاوية في الحركة لنقل الاحساس بالفعل الدرامي من وسط المسرح الى اطرافه والى الصالة بشكل يشبه الدوائر التي يشكلها الحجر عند القائه في بركة مياه.

 

4-الموسيقى والمؤثرات : كما بحث ارتو عن وسائل تعبير بدائية لكونها اكثر فاعلية من مفردات اللغة , بحث عن موسيقى وأصوات بدائية فاستخدم الات قديمة وايقاعات  بدائية واصوات عالية, بشرية ومعدنية لخلق الجو العام الشبيه بالسحر .

5-الماكياج : من خلال تاثره بالمسرح الشرقي كان استخدام ارتو للماكياج مميزا في عروضه فهناك من التعابير التي لا يستطيع الممثل ادائها مثل حالة التشنج التي تصيب الوجه عند التعذيب لذلك كان يلجا للماكياج ذو الالوان الصارخة الاحمر والازرق( وهي من سمات مسرح الكابوكي الياباني )   لرسم المزيد من التعبيرات تحدد شكل العضلة  المتشنجة من الوجه وحتى نفور الاوردة والشرايين واحيانا كان يستعين بالاقنعة كبيرة الحجم ( وهي من سمات مسرح النو الياباني ) .

 

اثر ارتو في المسرح :

 

لم يقدم ارتو الكثير من المسرحيات ومعظم الاعمال التي قدمها لم تنل  نصيبا من النجاح وتعرض بعضها لهجوم حاد وذلك للاسباب التالية :

1-    ان مسرح ارتو يتصف بالغموض والغرابة وصعوبة التمثيل والمقاربة ومعزول عن السياقات التاريخية والاجتماعية 

2-    انه شكل عبا كبيرا على الممثلين ومصممي المناظر والجمهور على حد سواء ودفعهم الى حالات هستيرية .

3-    انه شكل هجوما على المؤسسات السياسية والدينية والاجتماعية وهاجم السريالين الذين كان ينتمي لهم  بل وقام في بعض اعماله بإهانة المؤلف والجمهور واتهامهم  بالسخف والسذاجة ففقد كل المؤيدين وصار هو عرضة للهجوم والانتقاد .

ورغم ذلك الا ان ارتو وعروض مسرح القسوة اثرت كثيرا في المسرح الحديث و, صحيح انه لا يوجد مخرج خلف ارتو وكرر تجربته المتطرفة لكن  جميع المخرجين المعاصرين  تأثروا به بشكل او اخر  

اهم العروض التي قدمها (مسرح القسوة ) هي غزو المكسيك , صدر محترق ,السنسي .

 

اما اراؤءه فنشرها بشكل مقالات اطلق عليها اسم بيانات (مسرح القسوة ) ثم  جمعها في كتابه  (المسرح وقرينه ) .

للحصول على مصادر في فن المسرح يمكنكم زيارة متجرنا ( كلمة وتكوين ) على الرابط 

https://www.instagram.com/klmwtakween/

 


تعليقات