الحدس في الفلسفة

كانت

 

 

الحدس " الفهم او المعرفة الاستنتاجية دون برهان , ودون اعتماد على الذاكرة او التامل..." 

والمعرفة الحدسية ليست معرفة تحليلية, بل مرتكز للاستدلال النظري يعطينا دون تجربة فهما عاما للاشياء وللعلاقات التي تربط بينها  ويتصف الحدس بأنه مباشر وفردي ومجازي ونوعي. أما عن طبيعته فقد اختلفت آراء الفلاسفة حولها.

ويقسم الحدس بصورة عامة الى نوعين :

حدس عقلي                حدس حسي

 

 

الحدس عند افلاطون وارسطو :

يرى افلاطون ان الحدس وسيلة مهمة لادراك الماهيات والمبادئ الموجودة في العالم المثالي , بصورة مباشرة ودون الحاجة الى مرحلة وسيطة.

ويتفق ارسطو مع افلاطون في المبدا العام  لكنه يختلف معه في التفاصيل , اذ يرى افلاطون ان الوصول الى الماهيات عبر الحدس لا يتم بصورة مباشرة , بل من خلال مرحلة وسطية تتمثل في الذكاء الذي هو حدس متطور يوصلنا الى الاستدلال وتتسم هذه المرحلة بالصدق وتوصلنا الى حقائق جزئية تؤدي الى فهم الجوهر او الماهية.   

ويرى الباحث ان مفهوم الحدس عند افلاطون وارسطو يقترب من الحدس العقلي لانه غير مرتبط بحواس الانسان ولا غرائزه .

الحدس عند الفلاسفة  العقلانيين_ (ديكارت نموذجا ):

يرى ديكارت ان الحدس تصور يقيني يتولد فقط من نور العقل العقل الطبيعي اي انه يتصف بالصدق ويفرق بينه وبين الاستدلال اذ ان الحدس يوجه الاستدلال ويسانده وهو المرحلة الاولى من الاستدلال .

والأمور التي تدرك  بالحدس عند ديكارت، ثلاثة أنواع، هي:

1-        الطبائع البسيطة, مثل الحركة والشكل والزمان.

2 – الحقائق الأولية التي لا تقبل الشك، مثل أنا أفكر إذن أنا موجود

 3- المبادئ العقلية التي تربط الحقائق بعضها ببعض، مثل أن الشيئين المساويين لشيء ثالث متساويان، ويسمي ديكارت هذا الحدس نوراً طبيعياً أو غريزة عقلية، ويعتقد ديكارت أن
الشكل الاستنباطي للبرهان يعتمد على البديهيات التي تُفهم بطريقة حدسية بحتة من دون
برهان، وإن الحدس بالعلاقة مع المنهج الاستنباطي، يصلح معياراً كلياً للصدق
الكامل. 3

ويرى الباحث ان تقسيم ديكارت هذا يمزج بين الحدس الحسي والعقلي فالنقطتان الثانية والثالثة عقلية والنقطة الاولى تشمل الحدسين الحسي والعقلي .

 

الحدس عند الفلاسفة التجريبيين (جون لوك نموذجا ):

يقسم جون لوك المعرفة الى 3 مستويات بشكل تنازلي من الاعلى  صدقا ويقينا الى الادنى كالتالي :

1-    المعرفة الحدسية : القائمة على الحدس وهي التي نصل اليها بالادراك المباشر بلا مقدمات مثل الاختلاف بين اللونين الابيض والاسود وهي معرفة عامة وشاملة .

 

2-    المعرفة البرهانية : تسند الى الادراك العقلي ايضا لكن صدقها يحتاج الى برهان وتشمل المعرفة الرياضية والعلمية .

 

3-       المعرفة الحسية : ادنى درجات المعرفة لان الصدق فيها احتمالي وهي معرفة تستند الى الحواس .

 

الحدس عند الفلاسفة المثاليين (كانط نموذجا ):

 

ان المعرفة عند كانط قبلية وبعدية فكل الاشياء لها ظاهر(نومينا ) وباطن (فينومينا ),والانسان يستطيع فهم ظاهر الاشياء لا باطنها والحدس وسيلة لفهم الظاهر .

ويتناول كانط في كتابه (نقد العقل الخالص ) الحدس في دراسة اسماها الدراسة المتعدية لانه يرى ان الحدس تجربة فريدة تتعدى الاحساس والتجربة معا وان الحدس هو الذي يعطينا الزمان والمكان مفهومهما .  

يدرس كانط الزمان والمكان بطريقتين  :
الأولى: دراسة ميتافيزيقيا معنية بالمفهوم.
الثانية: دراسة ترانسيدنتالية معنية باستخدام هذين المفهومين في معالجتنا للظواهر والتجارب.

المكان ليس مفهوما مجرداً بذاته، وإنما هو حدس، معالجة عقلية للظواهر. لا نستطيع أن نفهم المكان بواسطة تجاربنا، لأنه معرفة ابتدائية نستخدمها لنفهم العلاقة والتباعد بين الأشياء أو الظواهر.

ومثل ذلك الزمان.. ليس مفهوما مجرداً بذاته، وإنما هو حدس، معالجة عقلية للظواهر. لا نستطيع أن نفهم الزمان بواسطة تجاربنا، لأنه معرفة ابتدائية نستخدمها لنفهم تعاقب وتزامن حدوث الأشياء أو الظواهر.
 

النظرية الحدسية في الادب

 ركزت هذه النظرية على استخدام الحدس كأداة لتحليل الاعمال الادبية بمستوييه الحسي والعقلي فالحدس الحسي يدرك الماديات والمحسوسات في حين يعمد الحدس العقلي الى ادراك الافكار في العمل الابداعي ومافيه من رموز وايحاءات .

ويؤمن الحدسيون ان اي متلقي (سواء كان قارئا او ناقدا ) لا يستطيع ادراك كل الايحاءات بالعقل وحده لان تتعداه الى افاق لا يدركها الا الحدس -وهو مفهوم يقترب من مفهوم كانط للحدس – مثل القيمة الجمالية والقيم العاطفية للعمل .

ورغم ان النظرية الحدسية ليست من النظريات الواسعة الانتشار في النقد الحديث لكونها ذاتية تفتقر الى قواعد محددة لكنها فتحت افاقا رحبة في النقد الادبي مطلع القرن العشرين وكانت نقطة انطلاق في المسيرة النقدية لاسماء كبيرة مثل (بنديتو كروتشيه ) و( برنار بوزانكيه ).

 




 

 

تعليقات