الادب التركي

 


 

الحرملك

 

الادب التركي المعاصر

تاريخه ....تطوره ....علاقته مع الاداب الاخرى

 

 مقدمة:

تتمتع تركيا بموقع جغرافي استراتيجي  متميز يربط قارتي اسيا واوربا  وتحدها مجموعة من البلدان تختلف عنها باللغة والثقافة والتقاليد والاديان , ورغم ان هذا قد ادى الى  صراعات وحروب   خاضتها تركيا عبر عصور وجودها الا انه جعلها   بوتقة تمتزج وتنصهر فيها هذه الثقافات لتنتج لنا ادبا جميلا يستحق البحث والدراسة .

الادب التركي قبل الاسلام:

اعتمد الادب التركي القديم كغيره من الاداب العالمية على الحكايات والأساطير مثل اسطورة بوزقورت (الذئب الاغبر)وأسطورة (ارغنكون) .اما اول مصدر مدون معروف للأدب التركي فيتمثل في مسلات (اورخون)المكتوبة بلغة غورك تورك و-هي احد اللغات القديمة يرجح انها تعود لإحدى قبائل الهون التي نزحت من اواسط اسيا الى تركيا الحالية – والتي يرجع تاريخها الى القرنين السادس والسابع الميلادي وقد تمت ترجمة هذه النصوص الى لغات عدة وتتميز بلغتها الجميلة في تعبيرها وموسيقاها .

الادب التركي في العهد العثماني :

لقد اثر  اعتناق الاسلام على الادب التركي تاثيرا كبيرا سواء في المواضيع التي يتناولها او في شكل العمل الادبي واثر كذلك على اللغة التركية اذ  امتزجت مع لغة القرآن الكريم العربية بشكل كبير وباللغتين الفارسية والاذرية بشكل اقل فنتجت لنا اللغة التركية المبسطة التي دونت بها بعض الاعمال الشهيرة مثل (كوتادغو بيليغ ) الذي كتبه (يوسف خاص حاجب في القرن الحادي عشر .

وكذلك كتبت مجموعة من الاعمال باللغتين الخاقانية وال(اوغوز تركمان ) المنتشرتين في المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية من تركيا .

وفي العهد العثماني ظهر ادب الديوان المتاثر كثيرا بالادبين التركي والفارسي وكان موضع  اهتمام السلاطين والامراء وعلية القوم ,وكانت اغلب مواضيعه دينية وسياسية ربما بسبب اهتمام الدولة بالفتوحات في اوربا ونشر الاسلام فيه او بسبب التاثير الديني الذي جعلهم لا يكثرون من مواضيع الغزل  والهجاء   .ومن ابرز ادباء  الديوان   (نسيمي) و ( احمدي ).

لكن بحلول القرن السادس عشر تطورت لغة الادب وصارت ابسط واكثر جمالا وسلاسة وزخر القرن السادس عشر والسابع عشر بقصائد الشعر الوجداني الرقيق مثل القصائد التي كتبها (محمود افندي) و (محمد فضولي) اضافة الى قصائد كتبها بعض السلاطين مثل السلطان (سليم الاول ) والسلطان (سليمان القانوني ) اللذان عرفا بحبهما ورعايتهما للأدب والفن والعمارة .

لكن  المثال الابرز لتطور  الادب   واللغة التركية حدث في القرن الثامن عشر على يد الشاعر العملاق نديم الذي عرف بلغته الجميلة الراقية البعيدة عن التراكيب الصعبة والمنمقة .

وقد اشتهرت فنون مختلفة من الادب عبر عهود الدولة العثمانية ابرزها الادب الصوفي الذي حظي بمكانة كبيرة سواء من العامة او من السلاطين وعلية القوم ,والأدب الشعبي المحبوب من العامة مثل القصص الشعبية التي صارت مدونة بعد ان كانت شفهية  والقصص الفكاهية  الساخرة  وأدب الرحلات .

الادب التركي المعاصر :

رغم انه من الصعب تحديد بداية واضحة الادب التركي المعاصر الا ان معالمه   قد بدأت في القرن التاسع عشر بتراجع ادب الديوان وظهور ما يسمى ( ادب التنظيمات ) الذي حذا حذو الادب الاوربي واخذ عنه فنونا جديدة لم تكن معروفة مسبقة في الادب التركي مثل الرواية والمقالة والمسرحية والنقد (الادبي والفني) ونشطت حركة الصحافة جنبا الى جنب معه وعالجا معا العديد من القضايا الاجتماعية والتطورات السياسية سواء في تركيا او في العالم .

وفي اواخر القرن التاسع عشر ظهر تيار (الاداب الجديدة )التي كانت اهتماماتها ادبية وفنية صرفة وظهرت في هذه الحقبة اعمال مسرحية وروائية   كبيرة مثل ابرزها رواية (ايلول )لمؤلفها محمد رؤوف  وهي اول نموذج في التاليف السايكولوجي

وفي عام 1911 ظهرت مجلة (اقلام شابة ) التي تعتبر فاتحة لتيار(الادب الوطني) الذي اعتمد ادباؤه البارزون من امثال (رفيق خالد كاراي) و(خالدة اديب اضي ) و(محمد عاكف اورسوي )غيرهما لغة تركية مبسطة وجميلة ووضعوا القضايا الوطنية والانتماء الوطني في مقدمة اهدافهم  ,لكنهم اختلفوا في مدارسهم الادبية فمنهم  من تمسك بالنهج الكلاسيكي مع تطور وتجديد فيه مثل (يحيى كمال بياتلي) بينما انكب اخرون على المفهوم الرمزي والانطباعي مثل (احمد هاشم ) .

ان التطور الكبير الذي شهده الادب التركي في  القرن العشرين كان وليد سلسلة من الاحداث السياسية والاقتصادية في تركيا والعالم ابرزها :

1-الحربين العالمتين الاولى والثانية

2-الثورة البلشفية الروسية عام 1917

3-المقاومة المسلحة التي نشات بعد احتلال تركيا على يد الحلفاء في نهاية الحرب العالمية الثانية واستمرت للفترة (1919_1923)

4-اعلان الجمهورية التركية عام 1923 وما اعقبه من الغاء الخلافة واعتماد الحروف اللاتينية بدل العربية في الكتابة .

 

هذه الاحداث مجتمعة غيرت وطورت في الادب التركي المعاصر الذي امتاز خصوصا في اوائل العهد الجمهوري بلغة تركية نقية خالية من الكلمات الماخوذة من لغات اخرى وافكاره السياسية والوطنية التي طغت على لغة الاعمال الادبية والفنية التي كانت تفتقر الى جماليات العمل الادبي والفني رغم مضمونها المهم وأفكارها الهادفة .

ثم اصبح الادب التركي اكثر اهتماما بالقضايا الاجتماعية الاكثر مساسا بحياة الناس وكانت فنونه وأساليبه خير انعكاس لها فإذا حدثت ازمات مالية خانقة اتجه الى السخرية والفكاهة وإذا انتعشت حياة الطبقة الوسطى اتجه الى الاعمال الادبية والفنية الوجدانية  المليئة بالخيال والمشاعر اما الازمات السياسية التي كانت ملحوظة اكثر  في المدن الكبيرة مثل اسطنبول وانقرة وغيرها فقد انتجت لنا ما يسمى (الادب الريفي) اذ وجد الكتاب والمثقفون في الريف  النقاء والجمال ومصدرا لا ينضب للقصص والحكايات .

 

علاقة الادب التركي بالاداب العالمية :

ان موقع تركيا الجغرافي  وتوسعها ابان العهد العثماني ادى الى تمازج الادب التركي مع اداب الشعوب الاخرى سواء التي تحد تركيا جغرافيا او التي خضعت لسيطرة تركيا العثمانية في فترة ما ولككنا نلاحظ ان الادب التركي في عصوره الاولى كان اكثر قربا من الشرق منه الى الغرب فكان مؤثرا ومتأثرا بالآداب العربية والفارسية اضافة الى  تأثير ملحوظ  للأدب  الهندي وحكايات شعوب اسيا الوسطى الاوزبكية والاذرية وغيرها . ولكن البعثات الدراسية التي غادرت الى اوربا في القرنين التاسع عشر والعشرين اضافة لاستبدال الحروف العربية باللاتينية في الكتابة ادت الى ضعف ارتباط الادب التركي بأدب الشرق وبدا ارتباطه بالأدب الاوربي وخاصة بالأدبين الروسي والألماني بسبب التقارب الجغرافي والصراعات التوسعية المستمرة بين تركيا وبين روسيا وألمانيا.

ان الادب الروسي ادب عالمي غني بأدبائه ومفكريه له اثره البالغ على مختلف الاداب العالمية ولا شك ان الحدود المشتركة والصراعات بين روسيا وتركيا جعلت للأدب الروسي تأثير كبير في الادب التركي المعاصر فقد تاثر الادب التركي بالروح الثورية الادب الروسي خاصة عند قيام الثورة البلشفية عام 1917 وكذلك الافكار الاشتراكية ومحاولة الغاء النظام الطبقي ومحاولة بناء تركيا جديدة بعد الخلافة العثمانية  كروسيا الجديدة بعد سقوط النظام القيصري ومن ابرز الاداب الذين تأثروا بالأدب الروسي الشاعر والروائي والمؤلف المسرحي الكبير (ناظم حكمت ران) (1902_1963) ذو الشهرة العالمية والذي  تأثرت اعماله الشعرية  بالشاعر الروسي الكبير (ماياكوفسكي) و تاثرت اعماله الروائية بالروائي الروسي العملاق( مكسيم غوركي ) وكان  (ناظم حكمت ران ) في طليعة الادباء الاتراك المجددين والثوريين وقد ادت  افكاره الجريئة الى سجنه ثم نفيه الى الاتحاد السوفيتي حيث ازداد قربا من الادب الروسي . وبقي هناك حتى وفاته في حزيران سنة 1963.

وأديب اخر تاثر   بالأدب الروسي هو الروائي الشهير (اورهان باموك) المولود سنة 1952 والحاصل على جائزة نوبل في الادب سنة 2006 والذي رغم دراسته وإقامته في الولايات المتحدة الا ان للأدب الروسي تأثير كبير عليه منذ صغره فقد نشر العديد من اعماله باللغة الروسية ويتضح صراع الانسان بين تقاليد الماضي وعدم القدرة على رسم صورة المستقبل وصراع الشرق والغرب وفقدان الهوية ااتي نراها بوضوح في الادب الروسي يتضح جليا في اعماله .

وفي المقابل تأثر الادب الروسي بالأدب التركي فنجد لمحات من الحياة التركية  و حكايات عن الحروب التركية الروسية وصور رومانسية لحياة القصور العثمانية والحريم في القصائد والقصص الروسية .

وهناك تقارب كبير بين الادبين التركي والالماني  حدث في اواخر القرن العشرين وبداية القرن الحالي اذ يشترك الاثنان بما يسمى ادب الهجرة الذي يحكي قصص المهاجرين من والى البلدين وموضوع الاقليات الذي يثير جدلا كبيرا في كليهما .

 

ملاحظات 

حقوق الصورة محفوظة لموقع روتانا 

تم نشر الموضوع في مجلة الثقافة الاجنبية العراقية 


تعليقات