بيتر بروك ...عاشق الطقوس والانماط الاصلية

 




 

بيتر بروك (1925-2022):

كاتب ومخرج انكليزي تتلمذ على يد(جروتوفسكي) وتأثر كثيرا به وبـ(آرتو) من حيث الاهتمام بتدريب الممثل والبحث عن مسرح جديد بالعودة الى الانماط الاصلية والاشكال البدائية التي تعد المنابع الاساسية للمسرح.

لقد جذب انتباه (بروك) تفكك المجتمع الغربي وفقدان تماسكه وروحانيته وشخصيته الجماعية خاصة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وعند بحثه عن الانماط الاصلية في المسرح التجأ بشكل اساسي الى الطقس والاسطورة لأنهما افعال وممارسات جماعية، ولان لها صفة تشاركية تستطيع ان توحد الممثل مع المتلقي وتساعد في اكتشاف الذات عند كل منهما فلا يكاد يخلو اي عرض من عروضه من تمثلات الطقس والاسطورة.

(لقد رأى (بروك) ان الحوار والاحداث كلها تزول ولا تبقى الا صورة العرض التي تبقى صورتها الظلية في ذهن المتلقي واذا ما امتزجت العناصر امتزاجا صحيحا فان الصورة الظلية هذه ستكون لها معنى يكون بدوره جوهر ما يتعين عليها ان تقول)([1])

ولتحقيق هذه الامتزاج الصحيح كانت اعمال (بروك) تستند الى بحث انثروبولوجي كامل في الاديان والمجتمعات والثقافات الحديثة والقديمة وحتى المنقرضة، ولهذا طبعت عروضه بالسمات التالية:

1.   الموسيقى والمؤثرات الصوتية جزء من صورة العرض المسرحي فالموسيقى هي (هيئة اللا مرئي) بالنسبة لـ(بروك) وبديلا للغة، ان للبشر وعي نغمي مشترك يجعل الصوت جزءا من الصورة الظلية التي تبقى في لاوعي المتلقي)([2]) واستند بذلك الى ما يتذكره المستيقظ من الحلم اذ لا تكون في الاحلام اصوات او كلمات كما في الواقع لكنها ذات تنغيم يبقى في اللاوعي.

2.   (ان تشاركية وقوة الفعل الطقسي تهبط اذا ما تمت في فضاء صغير مغلق كما في مسرح العلبة لذا بحث بروك عن فضاءات جديدة فالفضاء الحقيقي بالنسبة له هو فضاء الفعل والذي يسمح ببناء علاقة حميمة بين الممثل والمتلقي يلغي تماما الجدار الرابع لذا قدم عروضا في فضاءات مفتوحة وفي سفوح الجبال ومقالع الحجارة)([3])

3.   تأثر (بروك) كثيرا المسرح الشرقي واخذ الكثير من تقنيات العرض عنه مثل ارتداء الاقنعة والايماءات وفي التدريبات القاسية للممثل التي تجعله يملك رشاقة لاعبي السيرك والقدرة المميزة على استخدام لغة الجسد.

(حاول(بروك) ان يشكل فرقته المسرحية من جنسيات مختلفة بصيغة تحاكي العولمة والتبادل الثقافي ولقد لاقت هذه الصيغة صعوبات كبيرة لصعوبة التواصل ين الممثلين انفسهم وبين الممثل والمتلقي عند تقديم العرض لامتزاج اللغات والثقافات ووسائل التعبير وبطريقة تشوش ذهن المتلقي وتفقد العرض جماليته)([4]), وقد واجه هذه المشكلة في العديد من عروضه مثل (اورجاست) و(هاملت).

وفي السياق نفسه واجه (بروك) المشكلة ذاتها عند تقديمه لملحمة المهابهراتا الهندية حيث ان "خلق هذا التكثيف للملحمة وعدم مراعاة طبيعة السرد فيها نوعا من التزييف لمناخها الاسطوري العام ما يعني ان رؤية بروك لم تكن قائمة على مفهوم المقايضة المسرحية التي تتبناها انثروبولوجيا المسرح في التبادل الثقافي بين حضارتين بل هي حاولت (نقل) شيء من التراث الهندي للجمهور الغربي دون ان يراعي في هذا النقل المرجعيات الانثربوولوجية للحضارة الهندية...) ([5])

 فمع ان بروك كان يسعى نظريا لمسرح عالمي موجه لكل الناس ويعبر عن الانسان في كل مكان وزمان الا ان التطبيق تم وفق تثاقف قسري فكان من الطبيعي ان يرفضه الجمهور.

(استعمل الكولاج والمونتاج في بناء المشاهد وتنوع في استخدام النصوص القديمة والحديثة والارتجالية وفي الانتقال من الحوار المعتمد على الكلمة الصدمة الى الصرخات والايماءات)([6])

 

  للحصول على مصادر في فن المسرح يمكنكم زيارة متجرنا (كلمة وتكوين ) على الرابط 

حقوق الصورة لموقع مجلة الشرق الاوسط  

([1]) ينظر: افنز، جيمس روز، المسرح التجريبي من ستانسلافسكي الى بيتر بروك، تر:انعام نجم جابر،وزارة الثقافة –دار المامون للطباعة والنشر،بغداد 2007, ص 256

([2]) ينظر: افنز،المصدر نفسه ص ص 257, 258

([3]) ينظر: بروك، بيتر، النقطة المتحولة اربعون عاما في استكشاف المسرح، تر: فاروق عبد القادر، سلسلة عالم المعرفة 154، 1991، ص ص 155, 160

([4]) ينظر: حسين التكمه جي، مصدر سابق, ص ص 92, 93

([5]) ينظر:،سعد عبد الكريم، تصورات في الاتجاهات المسرحية الحديثة، مكتب الفتح،بغداد,2016، ص 27

([6]) ينظر: سعد اردش, المخرج في المسرح المعاصر ص 206


تعليقات